الجمعة، 11 يناير 2013

د. محمد عوض محمد




د. محمد عوض.. هل سبق أن سمعت هذا الاسم؟.. ربما لن تسعفك الذاكرة بشيء يخصه اللهم إذا كان اسم الممثل الكوميدي الراحل محمد عوض!

فلا شك في أن هذا الاسم يبدو غريبا
محمد عوض محمد عوض عبدالله.
عن أبناء هذاالجيل حتي من بعض المهتمين منهم بالأدب، ربما لأن صاحبه لم يكن يسعي للشهرة وأن تظهر أعمال له في السينما مثلا، وربما لميله للعزلة، كما وصفه صديقه طاهر الطناحي، وربما - وهو أيضا غير مستبعد - لأن الرجل كان محسوباً من دارسي الأدب ومؤرخيه علي علم الجغرافيا أكثر من الأدب.
نعم.. فقد عرفت الحياة الأدبية محامين وأطباء اشتغلوا بالأدب، ولكن من النادر أن تجد عالماً في الجغرافيا بالتحديد لم يكتف بالاهتمام بالأدب ولكن اشتغل به دارساً ومترجما ومؤلفا، ومن هذه القلة د. محمد عوض، ولعل خير ما يعبر عن التزاوج بين ما لدي د. محمد عوض من مادة علمية وبين ما يملك من سليقة أو موهبة أدبية ما ذكره الكاتب لمعي المطيعي من أن كتاب د. محمد عوض الذي كان مقررا عليهم في التوجيهية كان يتميز بالأسلوب المشرق الحلو والعبارة البليغة الرصينة والألفاظ السهلة التي تيسر الألفاظ الجافة، وأنك إذا قرأته عالما ظننت أنه أديب وإذا قرأته ناثراً ظننت أنه شاعر.
سكان هذا الكوكب
أما ما يميز د. محمد عوض كعالم في الجغرافيا وكأديب في آن واحد فهو اشتراكه مع بعض الأدباء في عشق نهر النيل كالدكتورة نعمات أحمد فؤاد والكاتب الراحل عبدالله الطوخي وغيرهم، وقد ترك لنا د. محمد عوض كتابين عن النيل هما: «نهر النيل وسكان هذا الكوكب»، و«السودان ووادي النيل»، وظهر حسه الأدبي في كتابه الأول عن النهر حيث أدار فيه حوارا بين النهر والبحر أجاد فيه وصف النهر والبحر علميا وأدبيا كما ذكر لمعي المطيعي.
وقد ولد د. محمد عوض بمدينة المنصورة عام 1895 وحفظ القرآن الكريم وحصل علي الشهادة الابتدائية عام 1909 ثم الثانوية القسم الأدبي عام 1913 وكان ترتيبه الأول، والتحق بمدرسة المعلمين العليا، واعتقل وهو في السنة النهائية بسبب نشاطه السياسي ضد الاحتلال، وقد تعطل لذلك عن الدراسة لمدة أربع سنوات، ولكنه تقدم للامتحان من منازلهم عندما كان مسجونا، وحين اقترب موعد الامتحان أفرج عنه فخرج من السجن إلي قاعة الامتحان!.
وفي الفترة التي قضاها معتقلا في سجن الاستئناف ثم في جزيرة مالطة التي نقل إليها تعلم اللغتين الألمانية والتركية إلي جانب الانجليزية والفرنسية التي كان قد تعلمها من قبل، بعد ذلك سافر د. محمد عوض في بعثة إلي إنجلترا وحصل فيها علي الماجستير ثم الدكتوراة في علم الجغرافيا وذلك خلال سنتين فقط انتهتا عام 1926، وقد تقلد كاتبنا عدة مناصب جامعية حتي أصبح أستاذا للجغرافيا بكلية الآداب ثم رئيسا لنفس القسم من عام 1942 حتي عام 1948 واشترك في إنشاء معهد الدراسات السودانية وأصبح مديرا له، وفي عام 1953 عين مديرا لجامعة الإسكندرية، وفي عام 1954 اختير وزيرا للمعارف في وزارة عبدالناصر الثانية، وكان د. محمد عوض قد اختير قبل ذلك في عام 1946 مديرا لشعبة العلوم الاجتماعية لمنظمة اليونسكو، كما كان عضوا في وفد مصر في العديد من مؤتمرات اليونسكو، وقد اختارته منظمة العمل الدولية، ليسهم في معالجة عدم استقرار الأوضاع الاجتماعية في السودان، كما اختاره المجلس الاقتصادي الاجتماعي للأمم المتحدة لمعالجة مشكلة الرقيق.
مساهمات أدبية
أما عن الدور الثقافي ل.د محمد عوض ومساهمته في الحياة الأدبية والصحفية فقبل توليه رئاسة تحرير مجلة (المجلة) عام 1957 كان قد عين رقيبا علي الصحف مرتين: الأولي من نوفمبر عام 1940 حتي 31 يوليو عام 1941 والثانية لمدة سنة ونصف حتي انتهاء الحرب العالمية الثانية وعن فترة عمله بالرقابة يقول د. محمد عوض إن القدرالجائر قد قضي عليه أن يمثل دور الرقيب الذي يراقب العاشق المتيم وهو رجل الصحافة وهو يجد في البحث عن محبوبته الحقيقية ثم يقول إن من حسن حظه أن الذين كان يراقبهم كانوا مثالا للعفة والصدق ولذا جاء عمله في الرقابة ميسورا وليس كريها علي نفسه كما توقع.
وقد عين د. محمد عوض مديرا للثقافة بوزارة المعارف من عام 1948 حتي عام 1950وبعد رئاسته لتحرير «المجلة» عين عام 1961 بمجمع اللغة العربية ضمن العشرة الذين عينوا في المجمع بالقرار الجمهوري، وفي هذا المجمع اختير د. محمد عوض في عدة لجان فهو عضو في جمعية الجغرافيا ومقررها ولجنة المعجم الكبير ولجنة الأدب ثم توجت جهوده بحصوله علي جائزة الدولة التقديرية عام 1966.
.. ترجمات فاوست
وقد ترك د. محمد عوض عدة كتب في الجغرافيا الطبيعية والسياسية ذكرنا اثنين منها عن نهر النيل، أما عن إنتاجه الأدبي فشمل ترجمات في الأدب مثل «فاوست» لجوته و«النقد» لايروكروبي ومسرحيات، الملك جون و«هنري الخامس»، و«هاملت» لشكسبير إضافة لمؤلفات أدبية منها: «فن المقال الأدبية» وقصة «سنوحي» و«بين الشرق والغرب» و«ملكات الجمال»، أما عن روايته «سنوحي» فقد صدرت ضمن سلسلة «اقرأ» لدار المعارف، وفي تصديره لطبعتها الثانية أكد علي عدم اقتباسها عن أي نص أجنبي قائلا: وقد رصدت الطبعة الأولي عام 1943 ثم ظهرت في الأعوام الأخيرة قصة انجليزية وأمريكية تحمل اسم سنوحي المصري، وينتهي إلي القول بإنه ليس بين الكتابين سوي التشابه في الاسم، فسنوحي في سلسلة اقرأ شخصية تاريخية، وفي الكتاب الأمريكي شخصية خيالية.
علي أن د. محمد عوض لم يدخل عالم الأدب فقط لأنه ألف إحدي القصص وهي قصة سنوحي، بل لأن بعض مؤلفاته مثل حديث الشرق والغرب وملكات الجمال تضمنت بعض الأحداث الحقيقية التي وقعت له وكان شاهدا عليها فقام برصدها وعرضها بأسلوب أدبي، كما ضم كتاب ملكات الجمال بصفة خاصة بعض القصص الاسطورية أو ذات الطابع الفانتازي رأهما الانسب لعرض فكرة أو رأي ما أو تأملا في الناس والحياة.
ملكات الجمال
ويكشف لنا كتاب ملكات الجمال الصادر عام 1958 عن موهبة حقيقية لدي د. محمد عوض في كتابة الأدب الساخر ففي فصل حمل عنوان «تربية الأطفال لآبائهم» يصف فيه د. محمد عوض كيف نجح مع اخوته في تربية أبيهم فأصبح يحسن صناعة السفن من الورق ويعومها في الماء وأصبحت له مهارة خاصة في إصلاح لعب الأطفال والكراسي والموائد الخ، وفي حديثه عن فواتير الضرائب الجديدة، «في عهده طبعا» يستعرض صعوبة فهم هذه القوانين، ويقول إنه فهما من خلال درس خصوصي من صديق له، وبعد أن يقدم نقدا ساخرا لقانون الضرائب يقول إنه سأل صديقه متظاهرا أمامه بالبراءة والجهل:
هل ستدفع ضرائب علي الأموال التي حصل عليها البعض بالاختلاس والغش، ثم ينهي مقاله الانتقادي بأنه «سيظل يسدد الضرائب طالما بقي في العمر والجيب بقية» وفي تصنيفه لأنواع الرقباء علي الصحف يقول «ومن الرقباء علي الصحف الرقيب الجزار الذي ما تكاد المقالة تصل إلي سلخانته حتي يعمل فيها تقطيعا وتمزيقا حتي تصبح أثرا «بعد عين»، ولأن الأديب محمد عوض في الأصل عالم جغرافي فكان من الطبيعي أن تحوي بعض كتاباته لمحات من أدب الرحلات التي لا تخلو هي أيضا من انطباعات انتقادية ساخرة عن مشاهداته في البلاد التي زارها فعن زيارته لانجلترا يصف معاملة بعض الموظفين الأنجليز قائلا: «أصبحت مؤمنا بأن في انجلترا معهدا لتعليم السماجة وقلة الذوق وتخريج الاكفاء في هذا الفن وذلك من أجل توليهم مناصب مصلحة الهجرة، وعن سوء استخدام الميكرفون ومكبر الصوت من أصحاب الأصوات الرديئة يقول «إن كلا منهما «الميكرفون والمكبر» لا يعرف لمكان مقدس حرمة ولا يستطيع أن يميز بين ميادين الألعاب ومحافل الطرب وبين المساجد والمعابد والمآتم فصوت المكبر المزعج يغشي هذه المجاميع فيشيع فيها الهياج في الضوضاء»، إلي أن يقول «فصرت إذا اختلفت إلي سرادق لا تسمع صوتا بشرية ولا تنصت إلي النغمات الشجية من التلاوات العذبة بل تسمع صوتا أجش كأنه هزيم الرعد، يرتفع أحيانا حتي يصم الآذان، ويغلظ تارة حتي يوشك أن يملأ القلوب رعبا..»وفي مقاله «المرأة تسوس العالم» يظهر رأيا تقدميا فيها حيث يقول: « إذا إزداد نصيب المرأة في سياسة العالم فلن يحدث تغييراً كبيراً في العالم ولعله إن حدث أن يكون تغيرا نحو الخير والأمن والسلام»، علي أن روح الفكاهة تعاوده في نهاية المقال عندما يتساءل: «هل تتخلي المرأة وهي في مقاعد الرئاسة عن تلوين الأظافر والشفاة وعن أناقة الفساتين والكعب العالي؟ والجواب عندي أنها ستتخلي عن هذا كله ماعدا الكعب العالي فإنه باق علي الأرجح حتي يبت في أمره في مؤتمرات نزع السلاح!.

الإنتاج الشعري:

- له قصائد: بعنوان: «قصتي» وردت ضمن كتاب «أدباء في صور صحفية»، و «الشجرة» وردت ضمن كتاب الأناشيد والمحفوظات للصف الخامس الابتدائي بالسودان، و«البحر» نشرت في مجلة أبولّو - عدد مارس 1933.


وفي عام 1972 توفي د. محمد عوض محمد بعد أن ساهم مع بعض أبناء جيله في مد الجسور بين العلم والأدب وفي إثراء الأدب الساخر بكتابات لاتزال مجهولة لأبناء جيلنا ومنسية لدي من عاصروه.

قصائده
البحر
أيّهـا الزاخر ذو الصدر الرحـــــــــــيبِ ___________________________________
 
كـم طـوى صدرك مـن سـرٍّ رهـــــــــــــيبِ ___________________________________
قـد شهدتَ الكـون، والكــــــــــــونُ فتًى ___________________________________
 
وستـرعـاه إلى وقت الـمشــــــــــــــيب ___________________________________
كـم قـرونٍ عصـفت وانقــــــــــــــــرضت ___________________________________
 
وخطـوبٍ نزلـت إثْرَ خطــــــــــــــــــوب ___________________________________
ومحـيّاك رزيـنٌ، نــــــــــــــــــــاظرٌ ___________________________________
 
بـابتسـامٍ تـارةً أو بقطـــــــــــــــوب ___________________________________
سـاخرًا ممـا يلاقـيـه الـــــــــــــورى ___________________________________
 
مـن نعـيـمٍ زائلٍ أو مـــــــــــــن كروب ___________________________________
هـازئًا ممّا أثـاروا بـيـنهـــــــــــــم ___________________________________
 
مـن جـدالٍ أو نزاعٍ أو حــــــــــــــروب ___________________________________
ثـائرًا حـيـنًا وحـيـنًا هــــــــــــادئًا ___________________________________
 
بـاعثًا رعبًا، وأمـنًا للقـلــــــــــــوب ___________________________________
مهلكًا طـورًا وطـورًا مـــــــــــــــنقذًا ___________________________________
 
كعـدوٍّ نـاقـمٍ أو كحـبـــــــــــــــــيب ___________________________________
بـاسمًا حـيـنًا وحـيـنًا عــــــــــــابسًا ___________________________________
 
فـي كلا الـحـالـيـن ذو شأنٍ عجــــــــيب ___________________________________
حـلةٌ تُزهَى بـهـا الـدّنـيـا كـمـــــــــا ___________________________________
 
تخطر الـحسنـاء فـي الثـوب القشـــــــيب ___________________________________
عـانقتكَ الشّمس مـن أفق السمــــــــــــا ___________________________________
 
وهـي تجـري مـن شــــــــــــــروقٍ لغروب ___________________________________
هل رأى العـالـم فـي غـيركـمـــــــــــا ___________________________________
 
كـيف يحـلـو مزجُ مـاءٍ بـلهـــــــــــيب؟ ___________________________________
قـلـبك الهـــــــــــــــــادئ لا تزعجه ___________________________________
 
زعزعٌ نكبـاءُ ثـارت فـي الهـبــــــــــوب ___________________________________
لـم تُحـرِّك مـنك إلا ظاهـــــــــــــــرًا ___________________________________
 
دافعتْه لشمـالٍ أو جنــــــــــــــــــوب ___________________________________
تحته قـلـبٌ عـمـيـقٌ سـاكـــــــــــــــنٌ ___________________________________
 
هـازئٌ مـن حـادث الـدهـر العصـــــــــيب ___________________________________
لـيـت شعـري مـا الـذي تُضمـر فـــــــــي ___________________________________
 
قـلـبك الهـائل مـن أمـــــــــــرٍ غريب؟ ___________________________________
عـالـمٌ آيـاته قـــــــــــــــــد أتعبت ___________________________________
 
فكرة الـحـاسب أو عقـــــــــــل الأديب! ___________________________________
الفأس والشجرة
كـانـت الفأس قطعةً مـن حديـــــــــــــدِ ___________________________________
 
وحدهـا لا تطـيـق حـزّاً وقطعــــــــــــا ___________________________________
فرأت دوحةً فقـالـت: هِبـيـنـــــــــــــي ___________________________________
 
يـا لك الخـير، مـن فروعك فرعــــــــــا ___________________________________
امـنحـيـنـي يـدًا تشدّي بـهــــــــــا أَزْ ___________________________________
 
ري، فأزداد فـي الـبرية نَفْعــــــــــــا ___________________________________
فحَبَتْهـا فرعًا متـيـــــــــــــــنًا وظنّت ___________________________________
 
أنّهـا أحسنـت بذلك صنعـــــــــــــــــا ___________________________________
بـاتت الفأس بعـدهـا ذات حــــــــــــولٍ ___________________________________
 
يصْدع الصخر والجنـادل صدعــــــــــــــا ___________________________________
وتـنـاست أنّى لهـا ذلك الـحــــــــــــو ___________________________________
 
لُ، فجـاءت لـــــــــــــدوحة الأمس تسعى ___________________________________
وهـوت نحـوَهـا بقســــــــــــــوة ذي غلْ ___________________________________
 
لٍ، وحقـدٍ كأنه حقـــــــــــــــــد أفعى ___________________________________
ضربَتْهـا ضربـاتِ طـالـــــــــــــــب ثأرٍ ___________________________________
 
فهَوَتْ للثرى فروعًا وجذعـــــــــــــــــا ___________________________________
قصتي
أحـبّ فـيك قصتـــــــــــــــــــــــــي ___________________________________
 
وأشـتكـي حكـايـتــــــــــــــــــــــي ___________________________________
وكـم كتـمتُ فـي الـحشــــــــــــــــــا ___________________________________
 
مـن الـبكـاء أنّتــــــــــــــــــــــي ___________________________________
وكـم طـويـتُ حـــــــــــــــــــــــرقةً ___________________________________
 
عـلى لهـيب زفرتـــــــــــــــــــــــي ___________________________________
ومـن عجـيبِ مــــــــــــــــــــــا أرى ___________________________________
 
ومـن غريبِ شكـوتـــــــــــــــــــــــي ___________________________________
بأنّ مـا شكــــــــــــــــــــــــــوتُه ___________________________________
 
مـن اشـتعـال جـمـرتـــــــــــــــــــي ___________________________________
بأننـــــــــــــــــــــــــــــي ممتّعٌ ___________________________________
 
مع العَنـا بشقـوتــــــــــــــــــــــي ___________________________________
وأنّ أحـــــــــــــــــــــــــرفَ اللظى ___________________________________
 
عـلى ضلـوع صـفحتــــــــــــــــــــــي ___________________________________
تزيـدنـي سعـــــــــــــــــــــــــادةً ___________________________________
 

وتستزيـد بسمتـــــــــــــــــــــــــي ___________________________________



ليست هناك تعليقات:

.ان غبت عنكم ولم ترونى

.ان غبت عنكم ولم ترونى
فهذه مشاركاتى ــ بالخير تذكرونى